Saturday, February 7, 2015

Grazing the Sky "حرث السماء" ...... تحريض علي الشغف

حرث السماء ...... تحريض علي الشغف


كتبت: رشا حسني

الشغف



من المؤكد أن الهدف من الحياة لا يقتصر فقط علي ما يبدو لنا من مظاهرها وفقط ولكن هناك أهداف أسمي، أجمل وأمتع من أن يحيا الإنسان مثله كمثل الكثيرين ممن يسيرون علي وجه البسيطة دون هدف دون غاية والأهم دون "شغف". فالشغف هو ذاك الهاجس أو الدافع الذي يظل يطارد الإنسان كي يكتشف ما بداخله من قدرات ومقومات تجعل منه إنساناً مختلفاً، إنساناً ناجحاً، فالشغف ببساطة هو سر استمتاع المرء بحياته.

يعتبر الفيلم الوثائقي"حرث السماء" للمخرج المكسيكي هوراسيو أكالا فيلماً مُحرضاً ومُلهماً في نفس ذات الوقت، فهو يُحرض كل من يُشاهده علي اكتشاف شغف حياته، شغفه تجاه ما يريد فعلاً أن يفعله بل ويتفوق في فعله ومُلهماً لأنه من الممكن وأن يتلمس المُشاهد من خلال قصص أبطال العمل أولي خطواته لتحقيق حلم حياته وشغفه. الفيلم مرآة تعكس لمُشاهده ما لا يراه وما يجب أن يراه ويبحث عنه.

يُلقي الفيلم الضوء علي تجارب أداء "سيرك لو سوليه" بفرنسا لإختيار مؤديين جدد للسيرك ليغوص الفيلم داخل مجموعة حكايا اختارها المخرج بعناية شديدة تتمتع بالتنوع والتميز الإنساني والحركي والبدني ولقد تم تصوير الفيلم في إحدى عشرة دولة مختلفة بثلاث لغات مختلفة.

الاختلاف

يندرج فيلم "حرث السماء" تحت فئة الأفلام الوثائقية ولكن ومنذ الوهلة الأولي يمكنك أن تشعر بمدي اختلافه عن المفهوم التقليدي والشائع للفيلم الوثائقي من وجود عدد معين من الضيوف أو المتحدثين في أماكن تتكرر روتينياً في أحجام لقطات ثابتة يغلب عليها الحجم المتوسط، ويظل هؤلاء الضيوف يرون حكاياهم ويسردون ذكرياتهم لتلك الآلة الصماء التي أما مهم برتابة شديدة حتي وإن كان حجم المعلومات التي يلقونها تفوق ما يمكن العثور عليه من خلال عشرات الكتب والمجلدات.

البداية

يبدأ الفيلم بجملتين من أهم الجمل التي جاءت في الفيلم علي ألسنة أبطاله أولاهما" أنه حتي عشرين عاماً مضت كان العمل في السيرك قاصراً فقط علي أبناء وأقارب العاملين بالسيرك" وهي جملة جيدة لجذب انتباه المشاهد من حيث اهتمامه بالذي حدث بعد ذلك ليتأخر المخرج وعن عمد عن الإجابة علي هذا التساؤل حتي منتصف الفيلم تقريبا وهو النهج الذي اتبعه علي مدار الفيلم فكان يعرض لنا بداية حكاية أحد أفراد السيرك ثم لا يكملها ليذهب بنا إلي حكاية أخري أيضاً لا يكملها حتي نقترب من نهاية الفيلم لينسج لنا في تتابع سردي بصري مُحكم نهايات الحكايا لتتشابك – لا إراديا –  لدي المشاهد عناصر الحكاية الأساسية للفيلم مع نهايات حكايا أبطال الفيلم ليصل المشاهد إلي خط النهاية أخيرا مُحملاً بقدرٍ هائلٍ من التساؤلات الجوهرية الشخصية التي يفرضها عقله عليه عقب إنتهاء مشاهدته للفيلم ويُعد هذا في حد ذاته قيمة مضافة للفيلم، فالفيلم الجيد هو الذي يظل مع مشاهده وجدانياً، عقلياً وعاطفياً ويظل يُمتعه ويُثير بداخله التساؤلات كلما تذكره.

أما الجملة الثانية"نظرياً أي شخص من الممكن أن يكون فنان سيرك"، فهذه الجملة أيضاً من نوعية الجملة السابقة التي تطرح في ذهن المُتلقي العديد من التساؤلات علي شاكلة إذا ما الذي يُميز فنان سيرك عن أخر وما الذي يجعل فناني السيرك مختلفين عن غيرهم هل هي قدرتهم في التعامل والتحكم بأجسادهم أم هل هي مداومتهم علي التدرب أم هي قدرتهم علي الإبداع من خلال حجم التجديد والاختلاف لفقراتهم، ليظل ذهن المشاهد ومنذ اللحظات الأولي مُنشغلاً بالسيرك وفنونه وعوالم أعضائه.

التحريض البصري

حرض المخرج المشاهد بصريا علي البحث عن شغفه الخاص وحلمه الخاص من خلال سرد بصري راقي ورائع ومختلف عن مجموعة حكايات لمجموعة من البشر مختلفين في اللغة، في الشكل، في بلد الإقامة، في مستوي التعليم فما يفرقهم أكثر بكثير مما يجمعهم ولكن ما يجمعهم أهم بكثير مما يفرقهم ألا وهو الشغف بحب السيرك وبأداء فنون أدائية جديدة ومبتكرة تندرج تحت فن السيرك.

ثم كان التحريض أيضاً من خلال أبطال العمل فيقول أحد أبطال العمل ما دفعه لابتكار فقرة أدائية جديدة وهي فقرة الرقص داخل العجلة هو حلمه بالطيران وأكد علي أن الإنسان من الممكن أن يحقق حلمه عبر صور مختلفة عن الصور والأشكال التقليدية فهو يشعر وهو يؤدي فقرته داخل العجلة بأنه يطير وقال أيضاً بأن شغف الإنسان بما يفعل يجعله يتغلب علي أي صعوبات من الممكن أن تواجهه أثناء تحقيق حلمه.





وظف المخرج المكسيكي هوراسيو أكالا كل عناصر الوسيط السينمائي افرض روحاً مختلفة علي عمله المختلف فنجده وبمساعدة مدير التصوير بالطبع يستغلون عنصر الإضاءة استغلالا مُهراً من خلال الحكايا ومن خلال تكوينات المخرج البصرية التي أعدها المخرج ببراعة كما لو أنه يعدها لفيلم روائي وليس وثائقي، وبتضافر هذه العناصر وغيرها استطاع المخرج أن يجعل من فيلمه فيلماً وثائقياَ مختلفاً.

النهاية.... البداية

في نهاية الفيلم ومع تضافر خيوط الفيلم من خلال وضوح حكاية كل بطل من أبطال الفيلم خاصة بعد الصعوبات التي مر بها كل منهم خلال مشواره لتحقيق حلم نكتشف أنها ليست إلا البداية، بداية من تعرضوا لإصابات بالغة منها ما هو في العمود الفقري كانت كفيلة بإقعادهم مدي حياتهم في العمل مرة أخري وكيف أن إصرارهم علي العمل والنجاح كان كفيلاً بتذليل معوقات بدنية وحركية.

التواصل الإنساني.... يشعر المشاهد بأهمية القدرة علي التواصل الإنساني من جديد رغم الصعاب الحياتية من خلال الحياة اليومية، فهي قيمة ضرورية ليس فقط لنجاح فرق الأداء داخل السيرك ولكن لنجاح أي فريق عمل في أي مجال فحين فقد لاعب السيرك لحظة التواصل الإنساني التي تجمعه بشريكه سقط شريكه وتعرض لحادث مؤلم وحينما استطاعا التغلب علي ذلك الفقد استطاعوا أن يستعيدوا لحظة التواصل مرة أخري كبداية جديدة.

الثقة...نجد الفتاة التي تذكر لشريكها بالفقرة الأدائية أنها لولاه لما فعلت ما تفعله لما امتلكت لا الجرأة ولا الشجاعة للقيام بمثل تلك الحركات أو الفقرة كلها كدليل علي أن الثقة في العمل بين العاملين شرط أساسي لنجاع أي عمل، فهي لا تأمن لا علي جسدها ولا علي شكل أدائها مع أحداً غيره كدليل أيضاً علي مدي التناغم والتوافق الذي وصلا إليه كشريكين.





وأخيراً فاقد الشئ من الممكن أن يعطيه... ففي حكاية الشاب الفلسطيني الذي افتقد لمدرسة أو مؤسسة يتعلم من خلالها فنون السيرك خاصة بعد تعرضه لإصابة شديدة بعموده الفقري، نجده ليس فقط يتعلم فنون السيرك رغم إصابته ولكنه يعود لوطنه بل ويجوب العالم لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحلمون بتعلم وممارسة فنون السيرك الذين لا تتاح لهم تلك الفرصة، فيقوم بتدريبهم ومعاونتهم علي تحقيق حلمهم ليغير من مفهوم فن السيرك ليس فقط في وطنه ولكن بشكل عام أن من  حق أي شخص يريد أن يتعلم أو يُتقن أي شئ أن يجد نافذة ولو صغيرة تعينه علي تحقيق حلمه وشغفه.


لينتهي الفيلم بسؤال تحريضي للمشاهد علي اكتشاف شغفه بالحياة "هذه هي قصة حياتي فما هي قصتك؟

No comments:

Post a Comment