Wednesday, January 7, 2015

نظرة على بعض الأفلام التسجيلية والقصيرة للمهرجان القومي للسينما



وهلأ لوين.... عن ضيعة فى كل بلد عربى






كتبت: رشا حسنى


     هلأ لوين ... سؤال تطرحه المخرجة المتميزة والمختلفة نادين لبكى بعد أن أخذتنا معها فى رحلة ليست بالطويلة ولكنها جميلة وممتعه لضيعة لبنانية لم تخصص لها نادين إسما معينا ولم تعنون أحداث فيلمها أو تربط أحداثه بزمنا معينا غير أنه مفهوم لطبيعة سياق الفيلم أن زمنه يعود لأحداث التوتر الطائفى فى لبنان.


      إستلهمت نادين فكرتها من ملهاة أريستوفانس الشهيرة ليزيستراتا وجسدت أمال (نادين لبكى دور  ليزيستراتا)  فقدت كانت الملهاة تتحدث عن أن النساء قادرة على إنهاء الحروب وفرض السلام بدلا من الرجال وذلك عن طريق وسيلتين الأولى الإمتناع عن معاشرة أزواجهن طالما كانت الحرب قائمة والأمر الأخر هو إحتلال قلعة المدينة وأيضا الأستيلاء على الخزانة العامة للدولة فى حين نجحت تلك الوسائل لفرض السلام فى ملهاة أريستوفانس الإغريقية إلا إنها لم تنجح سوى بشكل مؤقت فى وهلأ لوين وإن كان مشهد النهاية إنما يؤكد عما أرادت التأكيد عليه نادين طول الفيلم وهو أن النساء وخاصة فى عالمنا العربى هن من ينتهى إليهم الأمر فى النهاية فقد توقف رجال الضيعة لسؤال نسائها وهلأ لوين؟. 




     بدأت نادين لبكى فيلمها ب Introduction Scene  أو مشهد إفتتاحى أشبه بالمشاهد الإفتتاحية للمسرحيات الإغريقية يُلخص فكرة الفيلم وقد قدم نساء الضيعة كالنائحات متشحات بالسواد ولكن دون صراخ أو عويل ولكن على نغمات موسيقية إيقاعية ليست بالحزينة ولا بالمفرحة ولكنها متسقة مع روح المشهد وحالته إتساقا شديدا مما جعله من أهم مشاهد الفيلم وينتهى الفيلم أيضا بمشهد جنازة فتتلخص أحداث الفيلم والحكاية ما بين جنازتين.


     أفلام الفانتازيا من أكثر الأفلام صعوبة فى كتابتها وإخراجها فلم تكتف نادين بصنع فيلم فانتازى ولكن قررت أن توظف تلك الفانتازيا فى إلقاء الضوء على تلك الأزمة الطاحنة والعنيفة التى تتعرض لها لبنان وبلدان أخرى كثيرة بصور مختلفة فنجحت فى إبتكار حلول فانتازية بدا بعضها ساذج وسطحى ولكنها جديدة وغريبة وغير مألوفة أو مستهلكة درامية لتفادى تجدد تلك الأزمة فى تلك الضيعة النائية مثل إفتعال مشاجرات أثناء مشاهدة التلفزيون أو قطع سبل إستقبال الإرسال التلفزيونى أو تظاهر النساء المسيحيات بأنهن أصبحن مسلمات والعكس فهى كلها حلول لم تضف للسيناريو جديدا ولم تجعله سيناريو متماسكا ولكنها كانت مجرد محاولات من الكتاب للبحث عن حلول غير تقليدية.


     يعتقد الكثيرين أنه من الحتمى عند إلقاء الضوء على قضية ما وخصوصا لو كانت بحجم قضية الفتنة الطائفيه وتبعاتها، فلابد من أن يكون السيناريو دراميا وأن يخرج الفيلم بكائيا مأساويا... ليس فقط بالبكاء تتأثر الناس فيُحسب لنادين إختيارها للغنوة والرقصة والرومانسية للتعبير عن أقصى مآسى الحياة وأبشعها ألا وهى الإقتتال والموت فما خرجت بها أنا شخصيا من الفيلم هو ما أجمل الحياة والحب والسلام والإخاء وما أبشع أن يتخلى الإنسان عن كل هذه المعانى الجميلة بإرادته الكاملة ليذهب إلى ما لم يُخلق من أجله الإنسان .... فلقد خُلقنا لنحيا ونحر ونستمتع لا لنموت.وجدت ذلك المعنى متجسدا بشكل معبر فى مشهد أمال وهى تتخيل أنها تراقص ربيع فهى نفسها تلك الشخصية المقتنعه أن الرجال هم سبب الفتن والمشاكل والتناحر على أسباب واهية ولكنها إنسانة فلم تعاند نفسها ولم تمنع نفسها من حب ربيع وهو الشاب المسلم وهى الفتاة المسيحية فلم تمنع نفسها من الإحساس بالحب والحياة وبأن الحب ضرورة لإستمرار الحياة رغم الموانع والحروب الطائفية.


     مزجت نادين لبكى فى كثير من مواضع الفيلم ما بين الميلودراما والكوميديا مما أعطى للفيلم تميزا واضحا فجعلنى أعتقد أننى أشاهد أكثر من فيلما داخل نفس الفيلم فتنوع حالات الفيلم مع ضبط إيقاع تلك الحالات ليتفق مع الإطار العام لإيقاع الفيلم هو ما أعطى للفيلم حالة خاصة من الإختلاف وكسر حالات الملل التى من الممكن أن تحدث فى فترات هدوء الأحداث وما أكثرها فى الفيلم ولكنها من وجهة نظرى طبيعية جدا فتطبيقا على حياة البشر، فليست كل أيام أو سنوات العمر مليئة بالأحداث والتغيرات فهناك فى حياة كل منا لحظات عاصفة وعنيفة وكثير من الأحيان لحظات هادئة وعادية لا تحمل سوى عدادات الوقت التى تنبهنا إلى مرورها.


     بدت معظم شخصيات الفيلم ذات بُعد واحد و هو البعد الظاهر وذلك ربما لتعدد الشخصيات فلم يُبرز السيناريو كثيرا من تفاصيل الشخصيات الهامة والمؤثرة من وجهة نظرى مثلا كشخصيات رجلى الدين واللتان لم تكنا تقليديتان على الإطلاق فلقد إختارت نادين ومن شاركتهم فى كتابة السيناريو تقديم نماذج رجال الدين الذين تحب أو تتمنى أن تراهم على أرض الواقع ولكنهم ليسوا موجودين فعلا فمن الواضح جليا أن سبب  أغلب أحداث الفتن فى كثير من البلدان على إختلاف دياناتها وثقافاتها هم رجال الدين وتصدير فهمهم الخاطئ لمفهوم الدين.
     تلجأ نادين لبكى فى أفلامها للتعامل مع ممثلين غير محترفين وتعلل ذلك بأنها تبحث عن أشخاص تلقائيين لا يمثلون وهو ما تحصل عليه بالفعل فمن أهم نقاط القوة فى أفلامها عنصر التمثيل ومن الواضح أنها تمتلك موهبة إدارة الممثل فيظهر جميع ممثلوها تلقائيون ولا يمثلون بداية من أبو على الذى تبرع بعنزته لعشاء أهل القرية أثناء مشاهدتهم للتلفزيون مرورا بالمختار وإيفون وحتى الفتى سائق التروسيكل صديق نسيم والذى شهد مقتله.


     يغلُب الإهتمام بالصورة ولإتقان التعبير من خلالها عند نادين على الاهتمام بالسيناريو وتفاصيله وحبكته الدرامية، فى حين يتميز شريط الصوت تميزا واضحا منذ بداية الفيلم لنهايته مرورا بالتوظيف الموفق جدا لأغانى الفيلم والتى أدتها بمنتهى الإحساس رشا رزق من ألحان خالد مزنر زوج نادين ، فتوظفت الأغانى لتلخص الكثير من الحوار الذى كان من الممكن أن يكون مكررا ورتيبا ومستهلكا إلى إضافة فعلية للفيلم وأحداثه.

" هاتولى راجل" معادلة للكوميديا الجيدة دون إسفاف







رشا حسني


     هاتولى راجل فانتازيا كوميدية قائمة فى المقام الأول على كوميديا الموقف أوهو بالأحرى عودة لكوميديا المواقف بعيدا عن المغالاة والإسفاف وإنتزاع الضحكات عُنوة من محاكاة بعض عناصر النجاح والتى باتت معروفه فى السوق السينمائى المصرى مثل الإفيهات الجنسية الصريحة - مغنى شعبى- بلطجى- أغنية راب شعبى مسفه وهابطة - راقصة صارخة التضاريس.

     نبعت كوميديا الموقف فى فيلم هاتولى راجل أساسا من فكرة تبادل الأدوار والتى كانت سمة مميزة لأهم أعمال المخرج المبدع رأفت الميهى كالسادة الرجال وسيداتى أنساتىفى حقية الثمانينات ومن قبل كانت فى حقبة الستينات من خلال المعالجة الكوميدية لفيلم للرجال فقط مثلا ولكن تجربة هاتولى راجل مختلفة بعض الشئ فهى بالأساس تعكس الواقع الذى نعيشه ولكن بصورة معكوسة وذلك لتأصيل الفكرة وبلورتها وقد نجح السيناريو فى ذلك من خلال إختيار المفردات المعبرة جدا عن تلك الفكرة سواء مفردات مادية أو حوارية كالتى جاءت فى مشهد المايوه لكريم فهمى وإيمى سمير غانم وأيضا فى مشهد نشرة الأخبار أو مشهد  ركوب أحمد الفيشاوى التاكسى بعد تعرضه للتحرش من قبل فتاة أثناء سيره فى الشارع  فكما يقال فى اللغة العربية الفصحى التضاد يوضح المعنى ويقويه.

     يُحسب لللسيناريو دخوله مباشرة فى موضوع الفيلم دون مقدمات ممله أو طويلة تأخذ من الفيلم ولا تعطيه وأيضا إختيار السيناريست كريم فهمى لهذه الطريقة من السرد وهى حكى الأبطال لقصصهم عن طريق تواجدهم داخل مركزا لتاهيل الرجولة وهو مخل سردى يصلح لهذا النوع من الأعمال ولكن يُحسب عليه العديد من النقاط أهمها من وجهة نظرى الإفراط فى مشاهد تبادل الأدوار خاصة تلك القائمة على مشاهد من أفلام معروفة ومحفوظة لدى شريحة معينة من المشاهدين كمشهد إلقاء ميريت لنفسها فى المياه وهو طبعا محاكاة لمشهد أحمد السقا فى أفريكانو وأيضا مشهد رقصة شريف رمزى لدينا على أغنية إستتنى والتى أدتها دينا فى أحد أفلامها ومشهد أحمد الفيشاوى ويسرا اللوزى المحاكى لمشهد حلا شيحة وهانى سلامة من فيلم السلم والثعبان فالبفعل هذه المشاهد من أكثر مشاهد الفيلم إضحاكا ولكنها من بواطن ضعف السيناريو حيث إعتمدت على المفارقة فقط وبالتاكيد ستختلف مشاهدة الفيلم بعد عشرة أعوام مثلا عنها الأن فهل سيربط المشاهد بين تلك المشاهد والمشاهد الأصلية فقد تاتى بأعلى الضحكات والمشاهدات الأن ولكن هذه الضحكات ستخفت مع الأيام وستبقى المشاهد المؤثرة دراميا والتى جاءت أهميتها من ضرورة وجودها الدرامى لا التجارى .

     هناك بعض المشاهد أيضا التى أراها مقحمة على العمل كالمشهد الذى ظهر فيه الفنان أحمد عز فقد كان من حيث أراد له السينارسيت ألا يكون فبدا مباشرا جدا يتضمن حوارا طنانا رنانا عن إمكانية وجود دكتور فاسد أو محامى فاسد داخل مجاله وأنه ليست هناك مهنة منزهه من الفاسدين وهو حوارا من الممكن أن تسمعه فى التلفزيون من خلال إجابة أحد الفنانين فى أحد برامج التوك شو عن سؤال (هو ليه الناس واخده فكرة غلط عن الفنانين؟)وأيضا مشهد ظهور سمير غانم وتكرار الفنانة شرين لإفيه من أهم إفيهات تاريخنا المسرحى الحديث من مسرحية المتزوجون (مسعودى) فلا أجد له مبررا سوى المجاملة كظهور شرين نفسها أيضا فى مشهد أو مشهدين بالفيلم.

     ظل السيناريو متماسكا حتى شارف الفيلم على نهايته فإضطربت الخيوط الدرامية فيه فظل السيناريست يبحث عن حلول لإنهاء قصص الفيلم الثلاث فجاءت نهايات القصص فى منتهى التقليدية على عكس فكرة الفيلم وبدايته وطريقة عرضه الأولية وتعتبر قصة أحمد الفيشاوى هى القصة الوحيدة التى لم تنته النهاية التقليدية وهى القصة الأكثر واقعية فى نهايتها فأصر البطل على عدم العودة للخجل والسذاجة التى كان عليهما قبل تجربته مع يسرا اللوزى التى ظهرت مُلمة جدا بأبعاد الشخصية وتفاصيلها كمكياجها الصارخ الألوان فى معظم مشاهدها بما يتناسب مع تلك الشخصية الجريئة المتحررة زير الرجال وتعتبر شخصية الفيشاوى هى الشخصية الدرامية الوحيدة التى إنتهت على عكس ما بدأت وفق مبررا دراميا وليست بشكل تقليدى متوقع مثل ما حدث مع باقى الشخصيات لذلك أراها أنجح شخصيات الفيلم وأنجح الشخصيات التى أداها أحمد الفيشاوى حتى الأن.

    ظهر المخرج محمد شاكرا واعدا ومُلما بأدواته رغم كونها تجربته الأولى  ووُفق المخرج فى إظهار العديد من جوانب التميز فى ممثلين عرفناهم وخبرنا طرق أدائهم من خلال العديد من أعمالهم السابقة ليظهروا فى هاتولى راجل بشكل مغاير ومميز كشريف رومزى ويسرا اللوزى وأحمد الفيشاوى فيما لم يُوفق فى الشئ نفسه مع سيناريست العمل كريم فهمى فقد ظهرا معظم الوقت جامدا باهتا قد يحتاج لمزيد من التدريب على الأداء وأيضا إيمى سمير غانم فقد جاء أدائها مشابها بعض الشئ لأدائها فى فيلم غش الزوجية وميريت التى ظهرت فى مشاهد عديدة غير مقنعه منها مثلا مشاهد الأكشن.

تميز كلا من مها بركه وخالد عبد العزيز فى التعبير عن شخصيات العمل من خلال إختيار الملابس وخصوصا شخصية أحمد الفيشاوى وتحولاتها الدرامية وأيضا مصطفى الحلوانى فى وضع موسيقى تصويرية ملائمة لمواقف الفيلم فى معظم مشاهده .فيما يُعتبر ظهور كريم محمود عبد العزيز فى دور ثانوى بفيلم يعتبر تجربة مهمة ومحترمة كهاتولى راجل مؤثرا عن ظهوره فى أدوا بطولة فى أفلام من نوعية حصل خير وعش البلبل .الفيلم فى مجمله تجربة محترمة ومهمة تكمن أهميتها فى إثبات فشل "مقولة الجمهور عايز كده" ففور وجود الجمهور للمنتج السينمائى أو الثقافى الجيد فيتجه له فورا والدليل النجاح الذى مازال يحققه الفيلم فى دور العرض السينمائى حتى الأن.

"نهر الحب" لعز الدين ذو الفقار .... فيلم سياسي!








 رشا حسني

   قد يبدو هذا العنوان صادما بعض الشئ لما هو معروف عن هذا الفيلم تحديدا من الرومانسية و النعومة والرقة و أنه يعد من أهم وأجمل وأكمل كلاسيكيات السنيما المصرية و ذلك على الرغم من أن القصة هى للكاتب الروسى الشهير تولستوى وهى قصة " أنا كارنينا " و لقد تم تمصيرها بواسطة عزالدين ذوالفقار ويوسف عيسى ولقد خرجت على قدم المساواة مع الأعمال العالمية التى تناولت نفس القصة وذلك من خلال تضافر جميع عناصر هذا العمل الفنى الراقى من تمثيل والذى كان يجمع بين أهم وأجمل وأروع وأرقى ثنائى عرفه تاريخ السنيما المصرية وأكثر هذه الثنائيات نجاحا أيضا وهما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامه وساحر السينما المصرية النجم عمر الشريف .




  ذلك بالإضافة إلى الأدوار الثانوية أيضا للممثلين فؤاد المهندس وعمر الحريرى و زهرة العلا وزكى رستم وأيضا التصوير لمدير التصوير المبدع وحيد فريد والمونتاج لحسين أحمد والموسيقى المتناغمة دائما مع أحداث الفيلم سواء فى الحالات الرومانسية أو المشاهد السياسية أو العسكرية فى الفيلم لأندريا رايدار وأيضا الديكور والإضاءة وبقية عناصر العمل الفنى المتكامل وأهمها عنصر الإنتاج لحلمى رفلة.

     وأخيرا ويعد العنصر الأهم وهو عنصر الإخراج للشاعر الذى كان يوجد خلف الكاميرا المخرج الرومانسى الحالم الراحل عزالدين ذو الفقار و يعد ما جسده هذا المخرج من معانى جميلة وخلابة قد كان بالفعل مثالا حيا للتفانى و الإخلاص فى العمل ولو على حساب مشاعره الشخصية فمن المعروف أنه كان هو الزوج الأول للفنانة فاتن حمامه قبل زواجها الثانى  من الفنان عمر الشريف  ورغم ذلك حينما تم البدء فى الإعداد لعمل فيلم نهر الحب وأكتملت الرؤية الفنية بضرورة وجود الثنائى فاتن حمامه وعمر الشريف فلم يتردد أبدا فى العمل معهما وإخراج العمل بهذا الشكل الذى ظهر عليه رغم ما كان من إنفصاله عن زوجته الفنانة فاتن حمامه.




    عودة إلى العنوان الصادم بعض الشئ فكل من يشاهد هذا الفيلم قد يشاهده من زاوية واحدة فقط وهى الزاوية الرومانسية الرقيقة مع تشعب هذه العلاقات الرومانسية الجميلة و توزيعها على معظم أبطال و شخصيات العمل فعلى سبيل المثال إلى جانب العلاقة الرومانسية التى تنشئ بين خالد و نوال نجد علاقة جميلة أيضا بين ممدوح و صفية زوجته وبين نوال وصفية وبين ممدوح وأخته نوال وبين خالد و ممدوح وأخيرا بين خالد ووصفى صديقه فكلها علاقات جميلة ورومانسية تعكس طابع و شكل الحياة والعلاقات فى القصة وفى هذه الفترة بعد ما تم تمصير القصة  طبعا .


ومن غير العدل الحكم على هذا العمل العظيم المكتمل الجوانب من زاوية واحدة فقط وإغفال عدة زوايا أخرى ومنهم على سبيل المثال الزاوية السياسية والظروف التاريخية لهذا الفيلم والتى بالطبع ليست موجودة فى القصة الأجنبية وهى إضافة الأجواء السياسية و التاريخية لإقناع المشاهد أو المتلقى بالظروف المحيطة بالبطلة و التى دفعتها لحب شخص أخر غير زوجها وبالفعل لقد تعاطف معها أغلب الناس بالرغم من أنه كان لابد وأن يكون رد الفعل الطبيعى والواقعى وخاصة فى هذا المجتمع المصرى والشرقى أن ينهر هذه السيدة التى تخلت عن طفلها من أجل حبها و حبيبها و لكن من منطلق الإخلاص و التفانى فى العمل وحب العمل أولا جعل عزالدين ذو الفقار هذا المجتمع المصرى الشرقى يتعاطف مع هذه الشخصية أو هذه السيدة ويساندها بدموعه وقتما تدمع و أهاته وقتما تتأوه أو تتألم و إبتساماته وقتما تسعد.


ثم نأتى إلى الزاوية السياسية لهذا الفيلم والتى تتضح جلية فى شخصية طاهر بك والتى يجسدها الفنان زكى رستم صاحب المعالى والمقام الرفيع والقريب جدا من الملك والحاشية الملكية والذى كان يرتضى على نفسه أن تبقى أو تدوم علاقة نوال زوجته و أم ولده بالضابط خالد إذا لم تعرفها  الناس واذا لم تظهر أو تتضح لهم فهذا كانت طبيعة الشخصيات الراغبة  فى السلطة و النفوذ ولاتهتم بشئ سوى بالمظاهر الخادعة والكاذبة فينهروا القيم و المبادئ من أجل الوصول إلى السلطة و كراسى الحكم.


ثم نقطة أخرى هامة وهى إبراز تلك الشخصيات  على أنها من الشخصيات التى كانت توجد وتحيط بالملك وهذه هى طبائعها وتصرفاتها ثم أيضا تناول قصة الأسلحة الفاسدة(مع التحفظ على تلك القضية من الناحية التاريخية) التى بعث بها الملك وأعوانه للجيش المصرى لكى يستخدمها فى حرب فلسطين عام 1948 والتى تسببت فى فقد العديد من الضباط و المجندين المصريين و أعتقد أن عزالدين ذوالفقار قد وضع تلك النقاط عن عمد فلقد عمل على إستخدام فترة زمنية و شخصيات قد كانت السواد الأعظم من الشعب المصرى يكرههم بالفعل وذلك لإرتباطها بفترة الملكية والقساد وخاصة منذ عام 1946 حتى قيام الثورة عام  1952  وذلك أيضا بحكم كون المخرج عزالدين ذوالفقار ضابطا قبل أن يكون مخرجا ولقد قام فعلا بإستخدام وتوظيف خلفياته العسكرية فى نسج خيوط القصة والحبكة الدرامية ليعمل على التقريب بين المشاهد وبطلى المأساة فجعل الزوج هو رجل لا يهتم سوى بشكله ومناصبه وجعل الحبيب ضابطا بالجيش المصرى والذى يذهب لمحاربة الأعداء أى أنه رجل ذو قضية ثم يستشهد  فى هذه الحرب ليكون بالفعل بطلا من وجهة نظر العديد من المشاهدين.


و لا يجب أن ننسى شئ هام جدا فى عملية التمصير ومحاولات عزالدين ذوالفقار و يوسف عيسى للربط بين الشعب المصرى والفيلم المأخوذ عن قصة أجنبية ألا وهو الجانب التاريخى الهام والتمثيل فى إستخدام أسطورة إيزيس وأوزوريس وهى أسطورة اصلها مصرى فرعونى تضرب بجذورها فى عمق التاريخ المصرى القديم .



و بالرغم من هذه البراعة فى التمصير والتى تجعلنا إذا شاهدنا الفيلم بدون أن نقرأ فى تيتر المقدمة أنه مأخوذ عن قصة أنا كارنينا لا نعرف أن هذا العمل مأخوذ من عمل أجنبى فلم يمنع ذلك أصحاب العمل من ذكر ذلك في مقدمة الفيلم وهو بالطبع ما لم يعد يُفعل بعد ذلك فأكم من الأفلام التى تم أخذها عن أعمال عالمية بعد ذلك ولم يذكر أصحابها ذلك وذلك خلال فترات السبعينات والثمانينات وإلى الأن ولنختتم الحديث ن هذا العمل الخالد بقول مأثور بات من أشهر أقوال السينما المصرية ذيوعا وشهرة قيل على لسان البطلة نوال فى أخر مشاهد الفيلم وهى بالفعل حكمة من الممكن لو طبقناها فى حياتنا لما واجهنا ما واجهناه ونواجهه من حروب و مصاعب وإخفاقات .

" إذا البشر أرادوا حياة فليفسحوا فى قلوبهم مجرى لنهر من الحب "   


نظرة أخري إلي الفيلم الأمريكي "الجاذبية الأرضية"





رشا حسنى

Don’t let go   أدركت المقصد من هذه الجملة والتي لفتت إنتباهى بشدة عند رؤيتها مكتوبة على أفيش الفيلم قبل مشاهدته بعد إنتهاء الحالة أو بعد إنتهاء الفيلم بالفعل ففيلم Gravity هو حالة سينمائية خاصة جدا يصعُب تكرارها مع أعتي وأفضل السينمائيين على مستوى العالم وهذا ما شهد به المخرج العالمي جيمس كاميرون عند مشاهدته للفيلم بأنه "أفضل فيلم فضاء صنع على الإطلاق". 


 الفيلم يصل إلى حد الكمال في العديد من النواحي الفنية والتقنية دون تكلف أو مغالاة غير مبررة في إستخدام تلك التقنيات على الرغم من وجود أرض خصبة جدا لإستخدامها ممثلة في بيئة الفيلم أو المكان الذي تدور فيه أحداث الفيلم وهو الفضاء الخارجي بعيدا عن سطح الأرض حيث تقوم رايان ستون(ساندرا بولوك) بمساعدة رائد الفضاء المخضرم مات كوالسكى (جورج كلونى) بإصلاح عطل ما بمركبة فضائية وسرعان ما تتصاعد أحداث الفيلم بسبب حدوث تصادم غير متوقع فى الفضاء ويتحطم المكوك ويلقى طاقم المكوك حتفهم فيما عدا جورج كلوني وساندرا بولوك قبل أن يتخذ قرار الإنفصال عنها بعد نفاذ الوقود وإيثارها على نفسه لتكون هي الناجية الوحيدة من تلك المهمة ذلك الأمر الذي يتيح وبلا شك المبرر لإستخدام المؤثرات البصرية والسمعية في عرض ذلك التصادم والتواجد خارج نطاق الأرض وأيضا للتعبير عن معاناة ومحاولات الأبطال الناجيين للوصول لكوكب الأرض مرة أخرى وهو الأمر الذي تحققه بالفعل ساندرا يولوك فى النهاية.


من أجمل مواطن الإبداع في هذا الفيلم هو خروجه عن التوقعات والمألوف ،فمن غير المتوقع أن يحمل هذا الفيلم والمصنف على أنه من نوعية أفلام الخيال العلمي هذا الكم الهائل من المشاعر الإنسانية، وقد برع المخرج ألفونسو كرارون والذي شارك ولده جوناس كرارون في  كتابة السيناريو أيضا التعبير عنها بطريقة سلسلة وطبيعية جدا وقد ظهرت جليا بعض هذه المشاعر من خلال العديد من مشاهد الفيلم منها على سبيل المثال مشهد ساندرا بولوك وهى تقص على كلونى قصة إبنتها التي توفت في سن الرابعة وحينما تتذكرها أيضا عند فشلها في قيادة المكوك الفضائي الصيني مما يجعلها تقرر خفض منسوب الأكسجين والتخلي عن الرغبة في الحياة والعودة لكوكب الأرض مرة أخرى للذهاب إلى إبنتها.




 وفى مشهد أخر عندما تستمع إلى صوت رب عائلة مع عائلته وتستمع لنباح الكلاب التي يقوم بتربيتها وتتذكر أنها لن تحظى بهذا الدفء العائلي مرة أخرى وأن جسدها سيظل معلقا في الفضاء أبدا متمنية من الرجل الذي لا تعرفه الصلاة من أجلها فمن خلال هذا المشهد عرض صناع الفيلم البعد والمعنى الإنساني للجاذبية الأرضية فارتباط الإنسان بأرضه ليس فقط تطبيق لقوانين الطبيعة ولكنه أيضا إرتباطه بجذوره وماضيه وذكرياته وعلاقاته بأصدقائه وأفراد عائلته أي إرتباطه بتاريخه وتاريخ وجوده على هذه الأرض وحين حدثها كلوني عن المدينة التي تعيش فيها بهدوء والمستشفى التي تعمل بها ومتعة قيادة سيارتها في ليل مدينتها الهادئ بعد يوم عمل طويل ومتعب محفزا داخلها الأمل في النجاة والرغبة في العودة والحياة على الكوكب مرة أخرى .


نجح سيناريو Gravity منذ المشهد الإفتتاحى في خلق حالة عالية من الترقب والتشويق وذلك من خلال الدخول المباشر فئ الأحداث دون مقدمات لا طائل منها وأيضا من خلال حبكة نقلات الفيلم Turning Points وإستطاع المخرج جعل العديد من عناصر العمل الفني كالتصوير والموسيقى التصويرية أبطال حقيقيين ومؤثرين إلى جانب ساندرا والتي أبدعت في هذا الدور الذي ظهرت من خلاله في حالة ألق وتوهج لم تظهر بهما من قبل من خلال فهمها العميق لأبعاد الشخصية مما ظهر جليا في انفعالاتها وتعبيراتها المضبوطة مع كل موقف تتعرض له خصوصا فئ مشاهد تعرضها لنقص الأكسجين فأدتها وهى من أصعب المشاهد وأجهدها على الممثل وقد قامت ساندرا بتدريبات رياضية وبدنية لمدة لا تقل عن ستة أشهر فئ فترة التحضيرات للفيلم كي تستطيع أداء هذه المشاهد بشكل جيد.




  وجاءت مشاركة كلوني في هذا الفيلم ليؤكد على قاعدة أن النجومية ليست بمساحة الدور وظهور النجم على الشاشة فظل كلوني حاضرا منذ بداية الفيلم وحتى نهايته فكان حضوره قويا جدا حتى من خلال صوته فلم يتبن المشاهد حتى ملامح كلوني جيدا خلال هذا الفيلم  وظل الجمهور على أمل ظهروه ثانية بعد أن أنفصل عن ساندرا وحينما ظهر في مشهده الأخير والذي كان بمثابة الهاتف الذي جاء ليساعدها في تشغيل مركبة الفضاء الصينية من خلال حل تذكيرها بحل تقنى للمشكلة وليعود ليبث فيها الأمل كي تتمسك بالحياة لأخر فرصة  فتجدد الأمل داخل المشاهد بعودة كلوني للأحداث وهو الأمر الغير منطقي ولكن حضور كلوني وخفة ظله التي داعبت مشاعر المشاهد طغت عنده على منطقية الأحداث.


دخلت فيلم Gravity متوقعة أن أشاهد فيلم خيال علمي ملئ بالمعلومات العلمية والتقنيات المفرطة ولكن الفيلم بمنتهى البساطة هو تكريس لجملة Don’t let go  والتي تعنى الأمل أن يتمسك الإنسان بالأمل ولا يدعه يذهب فلم تنج بطلة العمل رايان ستورن أو ساندرا بولوك بالمكوك الذى إستقلته ونجحت في قيادته في نهاية أحداث الفيلم ولكنها نجت بالأمل في الحياة والعودة ويعبر مشهد النهاية بطريقة بديعة عن هذا المعنى مع وصولها الأرض عند الشروق المتمثل في الأمل في غد جديد في حياة قطعا ستكون جديدة ومختلفة فالفيلم تكريس لمعنى انه لا أحد يستطيع الحياة دون أمل في أي شئ وفى كل شئ.