Wednesday, January 7, 2015

وهلأ لوين.... عن ضيعة فى كل بلد عربى






كتبت: رشا حسنى


     هلأ لوين ... سؤال تطرحه المخرجة المتميزة والمختلفة نادين لبكى بعد أن أخذتنا معها فى رحلة ليست بالطويلة ولكنها جميلة وممتعه لضيعة لبنانية لم تخصص لها نادين إسما معينا ولم تعنون أحداث فيلمها أو تربط أحداثه بزمنا معينا غير أنه مفهوم لطبيعة سياق الفيلم أن زمنه يعود لأحداث التوتر الطائفى فى لبنان.


      إستلهمت نادين فكرتها من ملهاة أريستوفانس الشهيرة ليزيستراتا وجسدت أمال (نادين لبكى دور  ليزيستراتا)  فقدت كانت الملهاة تتحدث عن أن النساء قادرة على إنهاء الحروب وفرض السلام بدلا من الرجال وذلك عن طريق وسيلتين الأولى الإمتناع عن معاشرة أزواجهن طالما كانت الحرب قائمة والأمر الأخر هو إحتلال قلعة المدينة وأيضا الأستيلاء على الخزانة العامة للدولة فى حين نجحت تلك الوسائل لفرض السلام فى ملهاة أريستوفانس الإغريقية إلا إنها لم تنجح سوى بشكل مؤقت فى وهلأ لوين وإن كان مشهد النهاية إنما يؤكد عما أرادت التأكيد عليه نادين طول الفيلم وهو أن النساء وخاصة فى عالمنا العربى هن من ينتهى إليهم الأمر فى النهاية فقد توقف رجال الضيعة لسؤال نسائها وهلأ لوين؟. 




     بدأت نادين لبكى فيلمها ب Introduction Scene  أو مشهد إفتتاحى أشبه بالمشاهد الإفتتاحية للمسرحيات الإغريقية يُلخص فكرة الفيلم وقد قدم نساء الضيعة كالنائحات متشحات بالسواد ولكن دون صراخ أو عويل ولكن على نغمات موسيقية إيقاعية ليست بالحزينة ولا بالمفرحة ولكنها متسقة مع روح المشهد وحالته إتساقا شديدا مما جعله من أهم مشاهد الفيلم وينتهى الفيلم أيضا بمشهد جنازة فتتلخص أحداث الفيلم والحكاية ما بين جنازتين.


     أفلام الفانتازيا من أكثر الأفلام صعوبة فى كتابتها وإخراجها فلم تكتف نادين بصنع فيلم فانتازى ولكن قررت أن توظف تلك الفانتازيا فى إلقاء الضوء على تلك الأزمة الطاحنة والعنيفة التى تتعرض لها لبنان وبلدان أخرى كثيرة بصور مختلفة فنجحت فى إبتكار حلول فانتازية بدا بعضها ساذج وسطحى ولكنها جديدة وغريبة وغير مألوفة أو مستهلكة درامية لتفادى تجدد تلك الأزمة فى تلك الضيعة النائية مثل إفتعال مشاجرات أثناء مشاهدة التلفزيون أو قطع سبل إستقبال الإرسال التلفزيونى أو تظاهر النساء المسيحيات بأنهن أصبحن مسلمات والعكس فهى كلها حلول لم تضف للسيناريو جديدا ولم تجعله سيناريو متماسكا ولكنها كانت مجرد محاولات من الكتاب للبحث عن حلول غير تقليدية.


     يعتقد الكثيرين أنه من الحتمى عند إلقاء الضوء على قضية ما وخصوصا لو كانت بحجم قضية الفتنة الطائفيه وتبعاتها، فلابد من أن يكون السيناريو دراميا وأن يخرج الفيلم بكائيا مأساويا... ليس فقط بالبكاء تتأثر الناس فيُحسب لنادين إختيارها للغنوة والرقصة والرومانسية للتعبير عن أقصى مآسى الحياة وأبشعها ألا وهى الإقتتال والموت فما خرجت بها أنا شخصيا من الفيلم هو ما أجمل الحياة والحب والسلام والإخاء وما أبشع أن يتخلى الإنسان عن كل هذه المعانى الجميلة بإرادته الكاملة ليذهب إلى ما لم يُخلق من أجله الإنسان .... فلقد خُلقنا لنحيا ونحر ونستمتع لا لنموت.وجدت ذلك المعنى متجسدا بشكل معبر فى مشهد أمال وهى تتخيل أنها تراقص ربيع فهى نفسها تلك الشخصية المقتنعه أن الرجال هم سبب الفتن والمشاكل والتناحر على أسباب واهية ولكنها إنسانة فلم تعاند نفسها ولم تمنع نفسها من حب ربيع وهو الشاب المسلم وهى الفتاة المسيحية فلم تمنع نفسها من الإحساس بالحب والحياة وبأن الحب ضرورة لإستمرار الحياة رغم الموانع والحروب الطائفية.


     مزجت نادين لبكى فى كثير من مواضع الفيلم ما بين الميلودراما والكوميديا مما أعطى للفيلم تميزا واضحا فجعلنى أعتقد أننى أشاهد أكثر من فيلما داخل نفس الفيلم فتنوع حالات الفيلم مع ضبط إيقاع تلك الحالات ليتفق مع الإطار العام لإيقاع الفيلم هو ما أعطى للفيلم حالة خاصة من الإختلاف وكسر حالات الملل التى من الممكن أن تحدث فى فترات هدوء الأحداث وما أكثرها فى الفيلم ولكنها من وجهة نظرى طبيعية جدا فتطبيقا على حياة البشر، فليست كل أيام أو سنوات العمر مليئة بالأحداث والتغيرات فهناك فى حياة كل منا لحظات عاصفة وعنيفة وكثير من الأحيان لحظات هادئة وعادية لا تحمل سوى عدادات الوقت التى تنبهنا إلى مرورها.


     بدت معظم شخصيات الفيلم ذات بُعد واحد و هو البعد الظاهر وذلك ربما لتعدد الشخصيات فلم يُبرز السيناريو كثيرا من تفاصيل الشخصيات الهامة والمؤثرة من وجهة نظرى مثلا كشخصيات رجلى الدين واللتان لم تكنا تقليديتان على الإطلاق فلقد إختارت نادين ومن شاركتهم فى كتابة السيناريو تقديم نماذج رجال الدين الذين تحب أو تتمنى أن تراهم على أرض الواقع ولكنهم ليسوا موجودين فعلا فمن الواضح جليا أن سبب  أغلب أحداث الفتن فى كثير من البلدان على إختلاف دياناتها وثقافاتها هم رجال الدين وتصدير فهمهم الخاطئ لمفهوم الدين.
     تلجأ نادين لبكى فى أفلامها للتعامل مع ممثلين غير محترفين وتعلل ذلك بأنها تبحث عن أشخاص تلقائيين لا يمثلون وهو ما تحصل عليه بالفعل فمن أهم نقاط القوة فى أفلامها عنصر التمثيل ومن الواضح أنها تمتلك موهبة إدارة الممثل فيظهر جميع ممثلوها تلقائيون ولا يمثلون بداية من أبو على الذى تبرع بعنزته لعشاء أهل القرية أثناء مشاهدتهم للتلفزيون مرورا بالمختار وإيفون وحتى الفتى سائق التروسيكل صديق نسيم والذى شهد مقتله.


     يغلُب الإهتمام بالصورة ولإتقان التعبير من خلالها عند نادين على الاهتمام بالسيناريو وتفاصيله وحبكته الدرامية، فى حين يتميز شريط الصوت تميزا واضحا منذ بداية الفيلم لنهايته مرورا بالتوظيف الموفق جدا لأغانى الفيلم والتى أدتها بمنتهى الإحساس رشا رزق من ألحان خالد مزنر زوج نادين ، فتوظفت الأغانى لتلخص الكثير من الحوار الذى كان من الممكن أن يكون مكررا ورتيبا ومستهلكا إلى إضافة فعلية للفيلم وأحداثه.

No comments:

Post a Comment