Saturday, January 3, 2015

ليلة ساخنة.... وليلة رأس السنة





ليلة ساخنة.... وليلة رأس السنة
كتبت: رشا حسني

دائماً ما اتخذت الأفلام التي تناولت الاحتفال برأس السنة من هذه المناسبة فقط الخلفية لأحداث عادية وطبيعية من الممكن حدوثها في أي توقيت، عيد أو تجمع سنوي للمصريين فشريحة بسيطة من المصريين هم الذين يحتفلون فعلياً بليلة رأس السنة في يكتفي السواد الأعظم فقط بالتمنيات الطيبة للعام الجديد وأن يأت حاملاً معه ما يتمنوه من سعادة.

وبناء علي ما سبق فلم تولي السينما تلك الليلة الاهتمام الكافي فقل الإنتاج الدرامي والسينمائي عنها في حين أن الأعمال التي تناولتها لم تتناولها هي في واقع الأمر ولكنها اعتبرتها وفقط خلفية لأحداث من الممكن أن تحدث في أي يوم أخر من أيام السنة أو في أي عيد أخر يحتفل به المصريون والعرب احتفالاً فعلياً.

ولكن وعلي الرغم من ذلك جاءت إحدي روائع عاطف الطيب ليلة ساخنة مستغلا إياها استغلالا جيداً ومتوافق تماماً مع طبيعة المجتمع المصري بما يحويه من متناقضات وفساد واهمال وتجاهل للحق الأدني لكثير من مواطني هذا البلد ألا وهو الحق في استقبال العام الجديد بالحد الأدني من الأمل في الغد بأن يكون أفضل.

ليس دليلاً علي غرابة فعل الاحتفال بالعام الجديد أكثر من النظرات المتلصصة للسائق البسيط سيد "نور الشريف" علي الممرضة سلوى عثمان أثناء رقصها هي وزميلاتها أثناء النوبطجية الليلية في المستشفي التي ترقد بها حماته بين الحياة والموت، فجاءت نظراته كالطفل الصغير المنبهر بمشهد يراه لأول مرة وكأنه يستغرب أن يحتفل ممكن هو في مثل طبقته وحالته الاجتماعية وله نفس طبيعة عمل الممرضة بليلة كليلة رأس السنة.

فيما علق سيد "نور الشريف" في أكثر من موضع بالفيلم للزبائن الذين يقلهم بأن الاحتفال بهذه الليلة ليست لمن مثله وعلي شاكلته من سكان المحروسة تعبيراً عن أنه رجل بسيط يعمل في مقابل توفير قوت يومه ومصروفات علاج ابنه وحماته.

وفق الكاتب والناقد الراحل رفيق الصبان في مجموعة عوامل أضفت الكثير من الواقعية علي سيناريو الفيلم وهو بالطبع ما وافق هوي المخرج الراحل عاطف الطيب منها اختياره مثلا لمهنة بطل العمل وهي مهنة سائق التاكسي وهي المهنة التي تتيح لصاحبها التعرض لعوالم كثيرة من خلال مواقف كثيرة خاصة في ليلة كليلة رأس السنة، واستطاع أن يقدم مواقف درامية تمكن من خلالها الطيب من خلق معادل بصري قوي جداً ومُعبر عن مدي معاناة أبطاله .

الفيلم صرخة مدوية من عاطف الطيب ونور الشريف ورفيق الصبان في وجه القاهرة وما تحمله بين طياتها من ظلم وقهر وفقر وفساد وغلب. استطاع الفيلم من خلال ليلة واحدة فقط هي ليلة رأس السنة رصد تلك المفارقات والفروقات التي تحتضنها القاهرة ولا يراها من لم يحتك بالكثير منها احتكاكا قوياً ومباشراً وحقيقاً .

يتحدث الفيلم عن عالم يجبر مواطن ومواطنة لا أمل لهما في الحياة سوي تدبير نفقات تنكيس منزل لبلبة ومصروفات علاج والدة زوجة نور الشريف –المتوفاة- في المستشفي علي الاضطرار لإخفاء مبلغ من المال كان أراد إرجاعه للشرطة ولكن قابلته الشرطة بتحقيق وإهانات كما لو كان هو من سرق النقود .


يعرض الفيلم مجتمع لا يعامل أبناءه البسطاء بأدنى حد من الآدمية فلا يحترم لا حقهم في الحياة الكريمة ولا حقهم في التعليم الجيد أو الرعاية الصحية، فنجد شبابا جامعيا يقف علي جنبات الفنادق الخمس نجوم ليقوموا بعمل المنادي” ليعتمد كل منهم علي بقشيش قد يعطيه له تاجر مخدرات أو سلاح في ليلة مثل ليلة رأس السنة.
 
استطاع الطيب من خلال هذا الفيلم تجسيد مدي قهر القاهرة لأبنائها البسطاء من خلال لقطات معبرة ومُكثفة للمشاعر كمشاهد إلقاء النقود علي راقصات الفنادق في حين يتعذر علي سيد وحورية جمع مبالغ مالية هزيلة لكنها تكاد تصل بالنسبة لهم حدود قمة افرست في صعوبة الوصول لها لكي يتمكنوا من عيش حياة أقرب للحياة الآدمية.

No comments:

Post a Comment