Thursday, January 8, 2015

فتاة المصنع...... خلطة محمد خان السرية







كتبت: رشا حسنى


     لم تتفضل الحكومة المصرية ولا الدولة المصرية على محمد خان  بمنحه الجنسية المصرية أخيراً بل خان هو من تفضل عليها وعلينا وعلى كل عاشق ومحب للسينما وعلى كل مشتاقٍ للسبر في أغوار ذلك المجتمع المتناقض والمتضاد تضاد الجاهلية وظهور الإسلام، الظلام والنور أو الأمل واليأس. فقد عبر خان عن تفاصيل هذا الوطن بكل طبقاته بكل فئاته بكل تفاصيله كما لم يعبر غيره ، مواجعه شجونه أحزانه أفراحه إنكساراته وهزائمه تغيراته و تبدل أوضاعه السياسية والإجتماعية والطبقية وحتى النفسية والعاطفية.


     يتألق خان ويزداد بريقاً كلما إقترب من الطبقات المهمشة والتي يعتبرها البعض جزراً منعزلة عن هذا الوطن طالما لا يحدث بينهم وبينها أي إحتكاكٍ أو تلاقى، فيأتي محمد خان من خلال روائعه أحلام هند وكاميليا والحريف على سبيل المثال ليؤكد على أحقية هؤلاء في الحلم قبل الحياة فبطلة أحدث أفلامه وليس أخرها "فتاة المصنع" هيام كل ما تحلم به وتتمناه هو قصة حب وأن يبادلها من تسبب في زيادة ضربات قلبها وعدم إنتظامها نفس الشعور، وكل ذنبها في الحياة أنها لم تلتفت لإحتمالية حدوث ذلك من عدمه هي فقط حلمت وأحبت ليس أكثر لم ترتكب جرماً أكثر من أنها حلمت وأحبت.


     تكمن عبقرية خان وتفرده وتميزه عن غيره في كونه جعلنا نرتبط بشخصيات أفلامه بشكل واقعي مع علمنا المسبق بأننا سنشاهد فيلماً وما يحدث به تمثيل وغير حقيقى ولكن معادلات خان البصرية ورصده تفاصيل شخصياته وبلورتها من خلال أفلامه يجعلنا نرتبط بهم وكأنهم أصدقائنا وجيراننا وفتيات أو فوارس أحلامنا.يساعدنا محمد خان في رؤية أنفسنا ليس عبر المرآة ولكن عبر شاشة السينما فكلا منا يرى نفسه وجانب من شخصيته وتصرفاته من خلال أحد أعمال محمد خان وربما في أكثر من شخصية وأكثر من عمل، فأكم من فتيات توحدن مع هيام في حلمها بالحب وإن إختلفت أشكاله ودرجاته، فأكم من قلوب خفقت في مشهد زيارة هيام للمهندس صلاح في المستشفى عندما كان مريضاً وحين أطلت علينا سعاد حسنى بصوتها الحنون الدافئ في أغنية من أجمل ما غنت سعاد "آه يا هوا يا هوا يا هوا ...إمتى يا هوا تيجى سوا".



إختار محمد خان ووسام سليمان إهداء فيلمهما لسعاد حسنى وإستطاع خان ببراعة العاشق المخضرم إستلهام روح سعاد حسنى وإضفاء روحها بمختلف حالاتها الشقية منها والرومانسية أو الغاضبة والمصدومة  على أحداث الفيلم وعلى إحساس هيام بدءاً من نظرتها الحالمة لقبلة بين سعاد حسنى وشكري سرحان من خلال فيلم السفيرة عزيزة بل تكاد تكون أكثر لقطات الفيلم تغبيرا عن حلم هيام فهي فقط تريد مثل هذا الحب الذي أوصل إلى مثل هذه القبلة التي تعلقت بها عيناها وخفق لها قلبها.


     كل عنصر في الفيلم يتسق مع روح خان تلك الروح التي عبر ونفذ بها نص وسام سليمان من خلال الجمل الحوارية للموسيقى وخصوصا نغمات آلة الأكورديون والتي عبرت عن حالة العمل كما عبرت بقية عناصر العمل بكل ما تحمله من فرح وشجن معاً، صوت يسرا الهوارى على تتر نهاية الفيلم متحدثاً بلسان حال هيام وغيرها كثيرات "ببتسم من كتر حبى للعالم .... ببتسم من كتر خوف وعيت عليه وعنيا المفتوحة على الألم كأنها وجع يبص ويبتسم"، حوارات البنات فى المصنع، طلبات الطعام مع إختلاف الكمية ونوع الطلبات إلا إنها كلها تنصب فى بوتقة واحدة لتلخص ما يمكن أن يقال ويعبر عنه فى صفحات وصفحات عن الحالة الإجتماعية والإقتصادية الصعبة لهؤلاء الفتيات وتلك الشريحة الإجتماعية.




    رصدت وسام سليمان ببراعة من خلال شخصيات فتاة المصنع جوهر الإنسان ذكراً كان أم أنثى وأهم ملمح من ملامح هذا الإنسان وهو التناقض فكلنا بداخلنا قدر من التناقض كشخصيات ذلك العمل مثلا كتناقض شخصية عيدة والتى أدتها ببراعة وتلقائية المخضرمة سلوى خطاب فى كونها تواجه تلك الأزمة العاصفة التى تمر بها إبنتها وبطبيعة الحال معها ولكنها أبداً لم تنس كونها إمراة تشعر بالإطمئنان والحماية من خلال نظرة زوجها لها أو من خلال إحتضانها له مساءا، أيضاً مشاعر أختها سلوى محمد على تلك الممثلة التي تستطيع بمنتهى البساطة والعمق معا تطويع كل شخصية وإستيعابها بمنتهى السلاسة وتقديمها دون فاصل بينها وبين الشخصية فلم نشك لحظة بأنها الأخت المحبة لأختها ولبناتها ولكن أيضاً فهى لا تستطيع أن تمنع الأنثى التي بداخلها من الغيرة من أختها أيضا فقط لكونها لازالت متزوجة وتنام بحضن رجل أما هي فلا وعلى جانب أخر من تلك المتناقضات فهي تحزن لظن إبنتها السئ بها وهى بالفعل تستسلم لإرضاء رغباتها الإنسانية من خلال تجاوبها مع زميلها فى السنترال الذى تعمل فيه.

شخصية نصرة والتى أدتها أيضاً إبتهال الصريطى بمنتهى الفهم فهى تحب هيام وتتخذها كأخت لا كصديقة فقط فتدافع عنها وعن سمعتها وتنصحها ولكنها تغار منها ومن علاقتها بالمهندس صلاح، تناقض صلاح نفسه فهو لا يتوانى عن إقتناص فرصة ملائمة لتقبيل هيام ولكن فكرة الزواج منها هي أبعد ما يمكن أن يفكر فيه.
 


 ثم تناقض هيام نفسها فهى تلك الفتاة صاحبة الكبرياء والإعتزاز بالنفس كما ظهر جلياً فى مشهدها مع صلاح فى جروبى وقتما كان يهينها ويخبرها بأن تبحث عن أب غيره لمن تحمله فى بطنها وأنه من رابع المستحيلات أن يفكر بالإرتباط بها أو فى المشهد الذى أقدمت فيه على الإنتحار عندما شاهدت زوج أمها وأخوالها يأتون بصلاح  تبدو عليه علامات الإكراه والضرب، وهى صفات تتنافى تماما مع تصرفاتها فى بداية تعلقها وحبها لصلاح فقد تدنت بنفسها وأشعرته هو وعائلته بأنها خادمة له ولهم من أجل نظرة رضا منه أو تجاوب ولو طفيف حتى أفاقتها الأم من ذلك الوهم عندما أعطتها عشرون جنيها نظير تعبها معهم أثناء فترة مرض صلاح.



     جمال السينما فى تفاصيلها وجمال سينما محمد خان يمكن فى تلك التفاصيل و فى إختيار زوايا الكاميرا وأحجام اللقطات مثلاً للتاكيد على تلك التفاصيل فلا شئ زائد ولا شئ ناقص كمشهد قص الجدة لشعر هيام وتلك الدمعة الأفقية العابرة على وجهها والمعبرة عن ألمها، أو مثلاً مشهد القبلة بين صلاح وهيام فلم يأت خان بالقبلة كاملة، فلم نر سوى تلامس شفاههما فقط ولم يطل المشهد كثيراً بعدها فقد ركز خان على حلم هيام ذلك التلامس الذى ذهب بها وبقلبها وبكل حواسها بعيداً إلى دنيا أخرى عشناها معها من خلال لقطات قريبة لهم ولعيون هيام بالتحديد. لقطاته لهيام فى المواصلات وهى تتكأ على زجاج الميكروباص هائمة حباً أو حزناً لا يهم تلك التى تذكرك بلقطات نجلاء فتحى مثلا فى أحلام هند وكاميليا وهى تتكأ على شباك الترام وكأنه يريد المشاهد أن يتوحد مع بطلاته فى تلك اللحظات من التأمل أو التفكير أو الحلم أو الحب.


     تفاصيل الملابس وإكسسوارات وفرش البيوت بيت عيدة وأختها وبيت الجدة، أنواع مكياج فتيات المصنع وألوانه، أنواع ملابسهم وأحذيتهم وألوانها كلها تفاصيل تبدو صغيرة ولكنها تنضم لبطال ذلك العمل لتصنع منه فيلم بخلطة محمد خان بروحه المحبة والمرحة والشابة تشعر به دائما يطل عليك بإبتسامته الشابة والمرحة ليذكرك قائلا.......مسيرها تروق وتحلى.

No comments:

Post a Comment