Thursday, January 8, 2015

ملامح مشوار شيخ المخرجين .... هنري بركات




كتبت: رشا حسني
 
من الصعب تصنيف تاريخ ومشوار المخرج هنري بركات من خلال مراحل بعينها مرحلة كذا ثم كذا ثم كذا ويرجع ذلك لعدم تخليه عن لون سينمائي معين طوال مشواره الفني فهو مخرج من الصعب تصنيفه كصلاح أبو سيف مخرج الواقعية أو كمال الشيخ مخرج أفلام الإثارة والتشويق فلم يتخصص هنري بركات في لون سينمائي واحد بل قدم جميع الألوان والتيمات السينمائية فقدم الأفلام الكوميدية والأفلام الميلودرامية والغنائية الإستعراضية إلي جانب الأفلام الرومانسية وأفلام الواقعية الإجتماعية وغيرها الكثير من الألوان السينمائية، ومن الأصعب تصنيف مراحل مشوار هذا المخرج العظيم أو كما لُقب بشيخ المخرجين تصنيفاً زمنياً فلقد قدم في كل حقبة أو عقد زمني منذ الثلاثينات وحتي وفاته في التسعينات كل تلك الأوان السينمائية فنجده في عام واحد قدم فيلماً كوميدياً ثم أخر غنائياً ثم فيلماً تاريخياً، لذا فالسطور التالية ماهي إلا محاولة لإبراز أهم ملامح مشوار بركات الذي إمتد كما ذكرت أنفاً من الثلاثينات وحتي التسعينات والذي أثمر عن تراث سينمائي فني إنساني فيما يزيد عن المائة فيلم ما بين عمله مونتير وكاتب للسيناريو والحوار ثم مخرجاً من أهم مخرجي السينما المصرية والعربية. 


المنتج هنري بركات 

بدأ عشق هنري بركات للسينما وتعلقه بها في سن العاشرة حينما ذهب لقاعة العرض السينمائي "بلانتيد" بشبرا - التي وُلد ونشأ بها لأسرة لبنانية -  لأول مرة في حياته، حيث تأثر كثيراً بأفلام دوجلاس فير بانكس وكانت أكثر الأفلام التي تأثر بها فيلم "ميشيل ستروجوف".


لم يبدأ هنري بركات حياته الفنية كمخرج بل بدأها كمنتج من خلال قيامه هو وأخيه بإنتاج فيلم "عنتر أفندي" عام 1953 من إخراج إستيفان روستي وتأكد عشقه للسينما من خلال متابعته لسير أعمال الفيلم بكل مراحله منذ بداية التصوير حتي مرحلة المونتاج و المكساج والإخراج طبعاً.


 شعر بركات أثناء متابعته لمراحل عمل فيلم "عنتر أفندي" بأنه يريد أن يعرف الكثير والمزيد عن السينما لذلك توجه إلي باريس لكي يعرف ما هي السينما، ثم عاد إلي القاهرة بعد تكوين خلفية سينمائية لا يُستهان بها ليتلقي أول نصيحة لها في المجال السينمائي من مدير التصوير الإيطالي "كاريني" والذي قال له "مادمت تحب السينما وتريد أن تكون مخرجاً فلابد أن تعمل أولاً في المونتاج".


المونتير هنري بركات

أخذ هنري بركات نصيحة "كاريني" علي محمل الجد وأولي إهتمامه ولفترة طويلة بمونتاج الأفلام ومن أهم الأفلام التي أُسند لبركات عملية مونتاجها فيلم إنتصار الشباب للمخرج أحمد بدرخان. ثم عمل بركات كمساعد مخرج لأهم مخرجي فترة الثلاثينات بداية من إستيفان روستي –"إمراة خطرة والعريس الخامس" من إخراج أحمد جلال – " بياعة التفاح" من إخراج حسين فوزي وصولاً للمخرج "العودة إلي الريف" من إخراج أحمد كامل مرسي.


الشريد لم يكن أول فيلم يصوره بركات مع أنه يعتبر أول أفلامه كمخرج!

لم يكن فيلم "الشريد 1942" هو أول فيلم يصوره بركات فقد سبق وأن أكمل تصوير فيلم "العريس الخامس 1941" والذي كان من إخراج المخرج أحمد جلال، فبعد أن أنهي جلال الفيلم إكتشفت أسيا وكانت هي منتجة الفيلم بأن الفيلم قصير نسبياً ولم يتمكن أحمد جلال من إستكمال تصوير الفيلم لإنشغاله بتصوير فيلماً أخر فطلبت أسيا من بركات تكملة الفيلم وقد كان. ثم عرضت عليه المنتجة أسيا والممثل فتوح نشاطي أن يقوم بإخراج فيلم "الشريد"عن قصة لتشيكوف ليكون أول أفلامه كمخرج.


الأفلام الكوميدية ثم الأفلام الميلودرامية:

تعتبر المرحلة التي أعماله مع المنتجة أسيا والتي إختار هو أن يقوم بإخراجها ولم تكلفه بها أسيا بمثابة مرحلة التجريب لبركات فلقد كان لديه رغبة قوية جداً في خوض تجربة الإخراج للعديد من الألوان السينمائية كالكوميدية مثل "لو كنت غني – القلب له واحد" والميلودرامية مثل "هذا جناه أبي – العقاب – الواجب".


الأفلام الغنائية والإستعراضية

بركات من أهم المخرجين الذين أثروا المكتبة السينمائية العربية بأفلام غنائية إستعراضية وخاصة تلك التي قدمها في فترة الأربعينيات والخمسينات والتي قام ببطولة معظمها المطرب فريد الأطرش فقد كان يري أن الأغنية هي ضرورة تجارية لإنجاح أي عمل في تلك الفترة دون حتي أن يكون لها مبرر درامي واضح وعلل ذلك بأن الغنية هي الفن الشعبي الأول عند الناس فهم يقدمون الأغنية علي كل شئ فمثلا في أفلام فريد الأطرش لا يدخل الجمهور الفيلم سوي ليشاهد فقط فريد الأطرش وهو يغني وسامية جمال وهي تتراقص علي أنغامه، قدم بركات في تلك الفترة أفلام " القلب له واحد – حبيب العمر – عفريتة هانم – معلش يا زهر ثم فيلمه الشهير مع المطربة ليلي مراد شاطئ الغرام".


 ثم قدم بركات أفلاماً غنائية هامة جداً بعد تغير وتطور النظرة للفيلم الغنائي وهي بأن تكون للأغنية توظيفاً درامياً بالفيلم يعود علي دراما الموضوع بفائدة وتتسق مع الموضوع ككل فقدم أفلاماً مثل "دايماً معاك لمحمد فوزي – أيام وليالي وموعد غرام وبنات اليوم لعبد الحليم حافظ وعلمونى الحب لسعد عبد الوهاب".


البداية الحقيقية

 يُعد فيلم "أمير الإنتقام 1950" هو البداية الحقيقية للمخرج هنري بركات ربما لإختلافه الشديد عن كل ما قدمه من قبل ونظراً لميزانية الفيلم الإنتاجية الضخمة آنذاك ولجمع الفيلم للكثير من النجوم علي رأسهم أنور وجدي فتي الشاشة الأول تلك الفترة –  سراج منير – مديحة يسري –  حسين رياض -  محمود المليجي – فريد شوقي – سامية جمال – علي الكسار، عن قصة الكونت دي مونت كريستو من تأليف أليكساندر دوماس الأب ويعبر هذا الفيلم من كلاسيكيات السينما العربية. عاد بركات ليقدم نفس القصة ثانية من خلال فيلم أمير "أمير الدهاء" من بطولة فريد شوقي ونعيمة عاكف عام 1964.


رصده لمصر من خلال الريف المصري

صرح المخرج الراحل هنري بركات في حوار تلفزيوني له مع الإعلامية سلمي الشماع من خلال برنامج زووم بأنه كان يخشي التصدي لعمل يتناول الفلاحين أو الريف المصري  بشكل عام وذلك لأنه لم يكن يعلم عنه الكثير خاصة تفاصيله ولحين قرر خوض غمار تلك التجربة من خلال فيلم "حسن ونعيمة 1959" وحينما تأكد من نجاح التجربة وحُسن إستقبال الجمهور لها أقدم علي إخراج العمل السينمائي الخالد "دعاء الكروان1959" بعد ما تأجل لفترة لرغبته في تغير النهاية عن نهاية الرواية في إنتظار موافقة عميد الدب العربي  لحين وافق وتم تصوير الفيلم بنهاية الرواية ونهاية بركات المُقترحة ثم وافق عميد الأدب العربي علي نهاية بركات لأنها الأكثر إتساقاً مع رؤية الفيلم. ثم كانت رائعة روائعه "الحرام 1965" عن قصة للأديب يوسف إدريس.


الأدب السينمائي

يُعد هنري بركات من أكثر مخرجي السينما المصرية الذين إهتموا بالأدب وأخذوا علي عاتقهم نقل هذا الجيد منه إلي الشاشة ليصل إبداعه من خلال وسيط أخر ألا وهو الوسيط السينمائي الأكثر إنتشاراً وشيوعاً وتأثيراً، فلقد تأثر كثيراً بالأدب الفرنسي والذي ظهر من خلال بدايات أفلامه كفيلم المتهمة المأخوذ عن القصة اقصة الشهيرة مدام X اليتمتين والذي قام بكتابة السيناريو له ثم أمير الإنتقام ومن أهم الأعمال الأدبية التي حولها بركات للسينما فيلم "في بيتنا رجل 1963 و الباب المفتوح 1963 والحب الضائع 1970 و الخيط الرفيع 1971".


بركات لم يعد بركات

قدم هنري بركات بعض الأفلام في نهاية مشواره السينمائي لم تكن علي نفس مستوي الكثير من أفلامه والتي يعتبر معظمها من كلاسيكيات السينما المصرية والعربية والتي قوبل الكثير منها بإستهجان شديد من النقاد وإقبال جماهيري محدود منها " أختي وأجمل أيام حياتي و سؤال في الحب و مع حبي وأشواقي وليالي ياسمين والعسكري شبراوي ونوارة والوحش و" تم تقديم معظمها في فترة السبعينات والثمانينات وإعتبر بعض النقاد بعض هذه الأفلام تندرج تحت تصنيف افلام المقاولات.

No comments:

Post a Comment