Thursday, January 8, 2015

الفيل الأزرق.......الفيلم لا الرواية





كتبت : رشا حسنى


إنطباع ما قبل المُشاهدة   

لا أستطيع أن أُخفى أو أُنكر دخولي السينما لمشاهدة فيلم الفيل الأزرق بكثير من الترقب الشديد الذي ربما يصل إلى حد التصيد أو التحامل، نظراً لعدم إعجابي بالرواية المأخوذ عنها الفيلم للكاتب أحمد مراد والذي قام أيضاً بكتابة  سيناريو الفيلم، وإلي الآن لا أستطيع أن أفهم سر هذا الإحتفاء الشديد بتلك الرواية أو بكتابات أحمد مراد عامة ولكن خلُصت في النهاية إلا أن أحمد مراد وكتاباته إنتشرت في أوساط الشباب خاصة من قبيل "الموضة" فكل فترة تظهر موضة معينة كموضات الملابس لكنها تظهر في الأدب سواء لنوع معين من الكتابات أو لكتابات كاتب بعينه، إلى جانب أيضاً تطرق أحمد مراد في كتاباته لعوالم مختلفة وغريبة تجذب الكثيرين.


مفاجأة الدقائق الأولى

منذ الدقائق الأولى للفيلم إتخذت قراراً بتنحية الرواية جانباَ تماماً والسير مع الفيلم حيث يمضى، نظراً لما يتمتع به الفيلم من لغة سينمائية مختلفة تستطيع أن تستشفها منذ الدقائق الأولى. وصولاً ومن خلال أحداث الفيلم إلى عناصر الفيلم عالية الجودة كالتصوير، المونتاج، الديكور، الملابس والإكسسوارات، الصوت والموسيقى التصويرية.




 يمتلك مروان حامد أدواته كمخرج بشكل كبير في الفيل الأزرق بداية من إختيار أماكن التصوير وهو الأمر الهام في هذا الفيلم تحديداً نظراً لأن الفيلم مأخوذ عن نص أدبي ذاع صيته فكل من قرأ الرواية قد كون عوالمه وتخيلها ويترقب ما سيقدمه الفيلم مُقارباً لما تخيله، إلى حركة الكاميرا المُعبرة عن حالة كل لقطة ومشهد  فلقد إستطاع أن يُعوض كثيرا من إخفاقات السيناريو الذي كتبه أحمد مراد نفسه -ولا أعلم سبب هذا-  فكان من الممكن لسيناريست أخر أن يرى للرواية أبعاد أخرى فيُقدمها بشكل مُختلف ولا يقع أحمد مراد في تلك النظرة الأحادية للرواية والفيلم معاً.


في حين إستطاع مراد جذب المُشاهد وتعريفه بيحي وطبيعة شخصيته ومهارته في قراءة لغة الجسد منذ اللقطات الأولى من خلال مجموعات اللقطات الإفتتاحية للفيلم، إلا إنه وقع في العديد من المشاكل خلال أحداث الفيلم بل وتعامل مع بعض الأحداث بسذاجة شديدة- كمشهد ذهاب يحيي ولبنى لمنزل شريف وعثورهم على تليفونه الذي به أول خيوط الحبكة وهى صوره مع زوجته المقتولة بكل تلك البساطة بل والسذاجة- خاصة أخر فصول الفيلم والذي تأخر فيه كثيراً مراد ليكشف تفاصيل وخبايا القصة للمُشاهد وتم كشفها بشكل سريع جداً ومُكثف  في النهاية فترك ذلك عند كثير ممن شاهدوا الفيلم إنطباعا جيداً ولكنه إنطباع يصلُح فقط للمشاهدة الأولي ولكن حين مشاهدة العمل مرات أخري سيختفي ذلك اللهث وسيتفرغ المُشاهد للإستمتاع بمناطق أخرى غير القصة والتي ستصب بالتأكيد في صالح مروان حامد وفريق عمله السابق ذكره.

الأداء




أداء كريم عبد العزيز في الفيل الأزرق أداء مُلفت للنظر نظراً لتفهم كريم الواضح للشخصية وأبعادها فجاء أداءاً رصينا يدل بشكل كبير على المجهود الذي بذله كريم للتحضير للشخصية، إستطاع كريم التنقل بين حالات شخصية الدكتور يحيي فيحي في عمله غير يحيي في بيته مع مايا غير يحيي مع شريف غير يحيي مع نائل غير يحيى مع لبنى، كلهم وجوه لشخصية يحيي. 

إستطاع كريم التعامل مع تفاصيل الشخصية بتفهم وعمق حتى في أداء تلك المسحات الكوميدية التي ظهرت ربما في مشهد أو إثنين كمشهده في مائدة القمار مع محمد شاهين وأول مشاهده في عنبر 8 غرب مع زميله الطبيب محمد ممدوح. في حين لم يُعط دورنيللى كريم أية مساحات تمثيلية لها بعد نجاحاتها كممثلة متمكنة من خلال ذات وسجن النسا. خالد الصاوي من الممثلين القلائل في مصر الذين يتعاملون مع مهنة التمثيل بشكل علمي إلي جانب الإحترافية والصنعة وذلك من أهم أسباب تميزه، فمن الممكن كمُشاهد عادى أن تستشف إمكانية وحدود خالد الصاوي كمُمثل موهوب حين تُغمض عينيك قليلاً لتتخيل س أو ص من الممثلين مكانه.


مروان حامد 

بالنسبة لي أهم مكسب بفيلم الفيل الأزرق هو مخرجه مروان حامد، قدم مروان من قبل عمارة يعقوبيان وإبراهيم الأبيض بميزانيات إنتاجية ضخمة جدا ربما ظناً أنه كلما زادت ميزانية الفيلم الإنتاجية كلما أصبح الفيلم مُبهراً، في حين – من وجهة نظري الشخصية – ذاع صيت الفيلمين لأسباب أخري غير الإبهار أو المضمون الفريد فقط كانت هناك العديد من الأطراف تقف خلف تجربة حامد في وتعضدها وتريد لها النجاح.


أما مروان الفيل الأزرق فهو مُختلف تماماً إستطاع فعلاً أن يُوظف الإمكانات الإنتاجية في خدمة العمل فظهر ذلك جلياً في ديكور محمد عطيه الرائع والذي إستخدمه مروان حامد في خلق تكوينات جمالية وحرفية ممتعة وموُظفة كمشاهد  يحيي مع شريف أو نائل في عنبر 8 غرب أو مشاهدهما معاً فى الزنزانة التى حُبس بها شريف أخر الفيلم والتي تم فيها وعلى جدرانها حل اللغز، أو في أهم وأجمل وأمتع منطقة تطرق لها الفيلم ألا وهى رحلات البطل بعد تناوله حبات الهلوسة (الفيل الأزرق)، فالثلاثة أحلام هي من وجهة نظري من أمتع الرحلات الفانتازية التي تم تناولها في السينما المصرية والتي من خلالها إستطاع حامد تحقيق متعة الإبهار البصري من خلال التعمق في الرحلة وتفاصيلها مُصاحبة بواحد من أهم أبطال العمل والذي أضاف إليه الكثير من التفرد والإمتاع ألا وهو العنصر الموسيقى للموهوب جداً هشام نزيه.

 موسيقي هشام نزيه في الفيلم لم تكن مجرد حلية لشريط الصوت السينمائي بل كانت بطل من أبطال اعمل ومحرك للأحداث بل ومعبر عنها وعن إحساس كل مشهد في الفيلم خاصة في مشاهد رحلات الفيل الأزرق خصوصاً الرحلة التي ظهرت بها نيللي كريم ومشهدها الراقص.


إستطاع فيلم الفيل الأزرق بمكوناته السينمائية المُتقنة والجيدة أن يتفوق على أصله الروائي من وجهة نظري، فالوسيط السينمائي - خاصة إن كان جيداً - يعطى للأفكار والحكايا أبعاداً أخري تختلف في مُتعتها عن متعة أصل أو مصدر الفكرة أو الحكاية، لذلك فسيظل فيلم الفيل الأزرق مختلف عن رواية الفيل الأزرق حتى وإن كان الفيلم عن رواية تحمل نفس الإسم ولكنها لا تحمل نفس قيم المتعة.

No comments:

Post a Comment